كيف تستفيد مصر من شهية المستثمرين تجاه قطاع الرعاية الصحية؟
كيف يمكن أن يساعد تطوير نموذج الشراكة بين القطاعين العام والخاص بمجال الرعاية الصحية في تحويل وجهة المستثمرين إلى المحافظات النائية: في الأسبوع الماضي، سلطنا الضوء على أسباب ارتفاع شهية المستثمرين تجاه قطاع الرعاية الصحية في مصر خلال العشر سنوات الماضية. ولكن على الرغم من ارتفاع الإقبال، فإن فجوة العرض والطلب لا تزال قائمة بسبب التوزيع غير المتكافئ للمرافق والخدمات، الذي غالبا ما يكون بحسب الموقع الجغرافي، إذ تتركز غالبية المستشفيات الخاصة في القاهرة والإسكندرية.
نحاول اليوم معرفة كيف يمكن أن يؤدي تنفيذ الشراكات بين القطاعين العام والخاص إلى تعزيز الرغبة في الاستثمار والتأكد من سد جميع الفجوات الرئيسية. وقال خبراء لإنتربرايز إنه يمكن اعتماد هذا النموذج للشراكة بنجاح في مصر لمعالجة بعض نقاط الضعف الرئيسية التي أوضحناها الأسبوع الماضي – وهي صعوبة جذب المواهب وضعف الربحية خارج القاهرة والإسكندرية. وعلى الرغم من تنفيذ النموذج بنجاح في الخارج، إلا أنه لا يزال هناك عدد من العقبات التي تحول دون تطبيقه في السوق المحلية.
وعلى غرار القطاعات الأخرى، يمكن أن تستفيد الرعاية الصحية من نموذج الشراكة بين القطاعين العام والخاص: تحظى الشراكات بين القطاعين العام والخاص بشعبية في جميع أنحاء العالم عندما يتعلق الأمر بالرعاية الصحية. يوضح نيراج ميشرا، الرئيس التنفيذي لمجموعة ألاميدا للرعاية الصحية، أن الحكومة المصرية لديها أراضي واسعة النطاق ومستشفيات لا تعمل بكفاءة. وقال إن نموذج التعاون يمكن أن يتضمن منح جزء من هذه الأصول للقطاع الخاص لتشغيله، وفقا لمتطلبات معينة يمكن أن تشمل هذه المتطلبات توفير قدر معين من الخدمة المدعمة، وإعادة توجيه مبلغ معين من الإيرادات إلى الحكومة. بهذه الطريقة، تحقق الحكومة أمرين، أولهما التدفق المستمر للأموال، وثانيهما الرعاية الصحية المدعومة بأسعار معقولة لعدد من المواطنين.
يمكن أن يساعد هذا النموذج مستشفيات القطاع الخاص في تحقيق عائد استثمار جيد، نظرا لأن الاستثمار الأولي أقل. إذا زودت الحكومة القطاع الخاص بالأرض أو المباني مجانا، يمكن أن تنخفض تكلفة الاستثمار الأولية بنسبة 60-65%، بحسب ميشرا. وبالتالي، فإن العائد المتوقع على الاستثمار يتوقف فقط على الـ 40% التي ضختها شركة القطاع الخاص، مما يعطي أفضلية تقديم الخدمة للمرضى بأسعار مناسبة. وعلى الرغم من أن تكلفته ستكون أعلى قليلا، إلا أنه لا يزال بإمكان الشركة خلق هوامش جيدة تمنحها عائد استثمار مرضي على نسبة 40% من التكلفة التي استثمرتها، كما يوضح.
الشراكة بين القطاعين العام والخاص بمجال الرعاية الصحية يمكن أن تساعد في جذب المواهب إلى المناطق الجغرافية التي بحاجة إليهم: ويقول ميشرا إنه إذا ما شهدنا المزيد من المستشفيات في المحافظات، فستصبح المواهب من كليات الطب أكثر استعدادا للانتقال إلى هناك. ويقول حسن فكري، رئيس قطاع التخطيط الاستراتيجي وعلاقات المستثمرين في مجموعة مستشفيات كليوباترا، إنه إذا تم تنفيذ النموذج بشكل صحيح، فسيمكنه جذب الأطباء إلى الأماكن التي تقام بها المشاريع.
ولكن لا يوجد مثل المواهب المحلية: أوضح فكري أن الطريقة الأكثر فاعلية لجذب المواهب هي الاستفادة من المواهب المحلية المتاحة. وأضاف أن الاستثمار في تعليم الأطباء في المحافظات التي بحاجة إليهم سيقطع شوطا طويلا نحو سد هذه الفجوة.
مديرو الرعاية الصحية المحترفون ومراكز التميز يعتبرا شرطين ضروريين لدفع الصناعة إلى الأمام. مع تزايد تعقيد نموذج عمل القطاع، هناك حاجة ملحة لمديري الرعاية الصحية المحترفين الذين يفهمون المجال ويعرفون كيفية إدارة الأعمال التجارية في نفس الوقت – وتلك واحدة من الفجوات لدينا، وفقا لما قاله فكري، والذي يرى أيضا أن هناك تزايدا في الطلب على التخصصات والتقنيات التي تتطلب قدرا كبيرا من الاستثمار الأولي، فضلا عن مراكز التميز متعددة التخصصات. ولكن العرض ضعيف جدا بسبب ارتفاع النفقات الرأسمالية.
برامج الرعاية الصحية الشاملة يمكن أن تكون حافزا للشراكات بين القطاعين العام والخاص، وهو ما اقترحته مجموعة البنك الدولي في تقرير لها عن القطاع الخاص العام الماضي (بي دي إف). بمقتضى الخطة، ستتعاقد الحكومة على خدمات الرعاية الصحية مع مستشفيات القطاع الخاص التي يجب أن تلتزم بأسعار محددة. وتشمل مجالات الشراكة بناء المستشفيات والخدمات التشخيصية والرعاية المتخصصة وتكنولوجيا المعلومات وإدارة مطالبات التأمين. وتهدف الخطة إلى قيام هيئة حكومية جديدة، هي الهيئة العامة للتأمين الصحي الشامل، بالتعاقد مع مستشفيات وعيادات خاصة لتقديم الرعاية للمصريين في إطار منظومة التأمين الصحي الشامل.
الخطوة الأولى – وضع إطار عمل للشراكة بين القطاعين العام والخاص: يعتبر عدم وجود إطار عمل منظم لتسهيل الشراكات بين القطاعين العام والخاص في مجال الرعاية الصحية والتأخير في المدفوعات لخدمات القطاع الخاص، من القيود الرئيسية التي تؤثر على القدرة التنافسية للقطاع، وفق ما قالته مجموعة البنك الدولي في تقريرها. وتشمل العقبات الإضافية آليات الدفع التعسفية والظرفية، وعدم وجود جهة حوكمة تمثل بشكل كاف مصالح مختلف القطاعات الفرعية. وأشار التقرير إلى أنه "إذا جرى إصلاح السياسات بشكل صحيح، يمكن أن يكون لدى القطاع الخاص حوافز للابتكار وتطوير المرافق التي بإمكانها أن تخدم أعداد أكبر من المرضى وتقديم خدمة أفضل بتكلفة أقل".
تضع اللوائح الحالية قيودا من شأنها أن تعرقل الشراكة بين القطاعين العام والخاص في القطاع. أضف إلى ذلك، يُسمح فقط للأطباء المرخصين بامتلاك عيادات خارجية. هذا يعني أنه لا يمكن للمستثمرين الجدد العمل إلا بعد الحصول على الموافقات من تسع جهات حكومية على الأقل.
من الواضح أن شركات القطاع الخاص العاملة في مجال الرعاية الصحية ترغب في ذلك، وتنتظر قيام الحكومة بوضع إطار عمل للشراكة بين القطاعين العام والخاص في هذا المجال. إلا أنه مع وصول استثمارات القطاع الخاص في مجال الرعاية الصحية إلى 9.3 مليار جنيه في العام المالي 2019/2018، واستمرارها في الارتفاع، ومع كون مصر سوقا مهيئة لاستيعاب خدمات الرعاية الصحية (بالنظر إلى ارتفاع تعدادها السكان وانتشار الأمراض المزمنة)، كل هذا يجعلنا نتوقع أن الحديث حول الشراكة بين القطاعين العام والخاص في مجال الرعاية الصحية لم ينته بعد.
أبرز أخبار البنية التحتية في أسبوع:
- تمويل جديد من "البنك الدولي" لتطوير السكك الحديدية: وافق مجلس الوزراء على اتفاق قرض بقيمة 362.9 مليون دولار من البنك الدولي لإعادة الإعمار والتنمية لتمويل تطوير وتحديث شبكة السكك الحديدية.
- بكتل الأمريكية تعتزم تقديم قرض ميسر بملياري دولار لتمويل الخط السادس لمترو الأنفاق، بما يمثل 50% من تكلفة تنفيذ المشروع.
- أوراسكوم بيراميدز للصناعات الترفيهية ستستثمر 200 مليون جنيه في المرحلة الأولى لمشروع تطوير منطقة الصوت والضوء بأهرامات الجيزة، والبالغة تكلفته الإجمالية 350 مليون جنيه.
- "سبينيس -مصر" تستثمر 150 مليون جنيه لافتتاح ثلاثة فروع جديدة في السادس من أكتوبر ومصر الجديدة والقاهرة الجديدة خلال النصف الثاني من العام الجاري.
- هل يحل التلاعب بالطقس أزمة ندرة المياه؟ تخطط إثيوبيا لنشر تقنيات تعديل الطقس المستخدمة لتحفيز هطول الأمطار، والمعروفة باسم "الاستمطار"، للمساعدة في ملء خزان سد النهضة، ولكن هل يمكن أن تكون تلك التقنيات حلا لمشاكل ندرة المياه في مصر؟