الرجوع للعدد الكامل
الثلاثاء, 29 ديسمبر 2020

2020: أسواق المال العالمية انهيار منطقي إلى انتعاش تاريخي

كيف خلق "كوفيد-19" نظاما نقديا مفعما بالسيولة، وكيف جلب ذلك الاستثمارات إلى أسواق المال: بعد ثلاثة أشهر فقط من بداية العام الذي كان يحمل الكثير من التوقعات الاقتصادية المتفائلة، شهد العالم ركودا لم يكن يتوقعه أكثر المتشائمين. الاضطرابات غير المسبوقة في تدفقات رؤوس الأموال الدولية، والموجات البيعية، وأكبر انهيار للنفط منذ عقود، شكلت ملامح النصف الأول من العام. ورغم التغييرات التي شهدتها التجارة العالمية منذ قدوم إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فإن محافظي البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم (وذكريات 2008 في أذهانهم) اتخذوا موقفا موحدا للسياسة النقدية، وأطلقوا العنان لموجة من حزم التحفيز التاريخية.

اهدأ واستثمر: لم تؤد تلك الإجراءات فقط إلى إنهاء الموجات البيعية وإحداث طفرة في الاكتتابات العامة، ولكنها ساعدت أيضا في صعود موجة من الديون السيادية وديون الشركات، وازدهار نماذج جديدة للاستثمار مثل شركات الاستحواذ ذات الغرض الخاص (SPACs) وعمليات الاستثمار الخاص في الأسهم المتداولة (PIPEs). ولكن ربما كانت السمة الأبرز في الأزمة هذا العام هي كيف بدأ المستثمرون أخيرا في التفكير جديا في المناخ وفي الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية.

كيف كان الوضع بعد أن أدرك العالم أن الجائحة ستطال الجميع؟ شهدت الأسواق المالية مرحلة من الانهيار التام في مارس الماضي، وباع المستثمرون كل شيء وأي شيء باستثناء الدولار وأذون الخزانة الأمريكية، وسجلت أسواق الأسهم تراجعات يومية تاريخية، وقفزت العوائد على سندات الشركات، وبلغ مؤشر التقلب "فيكس" والذي يعرف أيضا بمؤشر الخوف مستويات لم يصل إليها منذ كارثة انفجار مفاعل تشرنوبل النووي في 1986.

كانت الأسواق الناشئة على موعد مع موجة بيعية كارثية، بعدما سحب المستثمرون 83.3 مليار دولار في مارس، ليكون الشهر الأسوأ على الإطلاق. أما الولايات المتحدة وأوروبا، وهي البلدان الأكثر تضررا من الموجة الأولى للجائحة، فقد شهدت انخفاضات هائلة في الإنتاج الاقتصادي ونشاط القطاع الخاص ومعدلات التوظيف. وقد ناشد صندوق النقد الدولي الذي توقع انكماشا في الاقتصاد العالمي بواقع 3% في أبريل ثم 4.9% في يونيو وأخيرا 4.4% في أكتوبر، الحكومات كي تفعل كل ما بوسعها لتخفيف واحتواء تداعيات "الإغلاق الكبير".

خلقت اضطرابات أسواق النفط جانبا آخر من الأزمة في معظم أنحاء الشرق الأوسط: وجد مصدرو النفط في الخليج أنفسهم يواجهون ليس فقط الجائحة، ولكن أيضا الانهيار التاريخي لأسعار النفط العالمية، والتي شكلت تهديدا جديا لاقتصادات وميزانيات الدول المعتمدة على البترول. ولسد تلك الفجوة، فرضت الحكومات إجراءات تقشفية ونفذت إصدارات غير مسبوقة للديون.

من غير المتوقع أن يكون العام المقبل أفضل حالا لمصدري النفط بالشرق الأوسط، إذ من المتوقع أن تتعرض مواردهم المالية العامة لمزيد من الضغط مع استمرار تراجع الطلب على النفط بفعل الجائحة. وبعد عام من إصدارات الديون الهائلة بدول الخليج، يتوقع دويتشه بنك المزيد في 2021، بإصدار ديون جديدة بنحو 107-110 مليارات دولار.

دور البنوك المركزية: يرجع عدم تعرض النظام المالي لأزمة قلبية إلى البنوك المركزية العالمية، والتي استجابت بسرعة للحفاظ على التدفقات من السيولة ومنع الإفلاس الجماعي للشركات. وقامت الأربعة بنوك نظامية في العالم وهي الفيدرالي الأمريكي والبنك المركزي الأوروبي وبنك إنجلترا المركزي وبنك اليابان المركزي بشراء سندات تخطت قيمتها 6 تريليونات دولار هذا العام وحده. وخفض الفيدرالي أسعار الفائدة إلى صفر وأعاد تقديم برامج التحفيز الطارئة التي اشترى بموجبها أذون خزانة أمريكية وأوراق تجارية وأصولا من صناديق متداولة، ولأول مرة اشترى ديون شركات من الدرجة الاستثمارية وسندات صناديق المؤشرات المتداولة.

2020 كان العام الذي قررت فيه أخيرا بعض البنوك المركزية بالأسواق الناشئة اتخاذ قرارات جريئة على مستوى الأزمة، ولجأت لشراء سندات حكومية. وقام نحو 18 بنكا مركزيا على الأقل هذا العام بشراء أصول، سواء لأن أسعار الفائدة كانت متدنية تماما، أو لتمويل الإنفاق الحكومي. وحتى الآن، فإن تحذيرات الاقتصاديين بإمكانية خروج مستويات الديون والتضخم عن السيطرة لم تتحقق. واستطاعت الدول النامية الحفاظ على مستويات منخفضة لعوائد السندات دون أن تضغط على عملاتها المحلية، لتثبت أن التيسير الكمي يمكن أن يكون أداة فعالة في يد البنوك المركزية في المستقبل.

أسواق المال لم تعد تبالي بالجائحة: موجات التحفيز النقدي والمالي خلال الأشهر الأولى من الجائحة ساعدت المستثمرين بأسواق المال العالمية في نسيان الوضع المزري للاقتصاد الحقيقي. وعاودت الأسهم بالأسواق العالمية الصعود إلى مستويات قياسية، وعادت رؤوس الأموال للتدفق في الأسواق الناشئة، وتراجع العائد على السندات الرديئة إلى أدنى مستوياته. وأصبح 2020 عاما غير مسبوقا من حيث الاكتتابات العامة الأولية، وإصدارات الشركات من الأدوات المالية، وجرى ضخ المليارات في شركات الاستحواذ ذات الغرض الخاص. وفي غضون ذلك، قفزت مستويات الدين سواء للحكومات أو الشركات، ووفقا لتقديرات معهد التمويل الدولي، فإن إجمالي تلك الديون سيصل إلى 277 تريليون دولار بنهاية العام الجاري.

هل ستستقر مستويات الديون قريبا؟ ستوفر تدابير التحفيز المالي وبرامج الإنفاق من جانب الحكومات والمزيد من إصدار سندات الشركات الرافعة المالية المطلوبة لمساندة الاقتصاد العالمي، وعندما يتمكن العالم في النهاية من السيطرة على الفيروس، ستبرز الأسئلة التي لا مفر منها حول كيفية استعادة الاستقرار المالي للدول، وإنعاش الشركات "شبه الميتة"، والتي ستتجاوز فوائد مديونياتها إيراداتها الفعلية. وبإصدار ديون جديدة بقيمة 15 تريليون دولار في الأشهر التسعة الأولى من 2020 فقط، فإن الدين العالمي قد بلغت نسبته إلى الناتج المحلي الإجمالي العالمي 365%، وتصل تلك النسبة إلى 432% في الاقتصادات المتقدمة، مقارنة بـ 380% في نهاية 2019، فيما تصل في الأسواق الناشئة إلى 250%.

كيف أدرك المستثمرون أخيرا أهمية الوعي بالمناخ؟ قل ما شئت عن التأثيرات السلبية لبلاك روك على أسواق المال العالمية، ولكن شركة إدارة الأصول العالمية العملاقة قررت الضغط في اتجاه تمويل الاستثمارات صديقة البيئة، في لحظة مفصلية لقضية المناخ وبعد سنوات من مطالبات المستثمرين العالميين بالاضطلاع بمسؤولياتهم حول الأثر البيئي لقراراتهم الاستثمارية. وكانت 2020 هي السنة التي بدأ فيها المستثمرون العالميون التعامل مع مخاطر التغيرات المناخية بجدية. وتدفقت على صناديق الاستثمار في الشركات الممتثلة لقواعد الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية تمويلات قياسية بلغت 7.1 مليار دولار خلال التسعة أشهر الأولى من 2020، أو ما يقرب من أربعة أضعاف تدفقات الفترة نفسها من عام 2019. وتجاوز حجم الأصول تحت الإدارة في تلك الصناديق تريليون دولار وذلك للمرة الأولى على الإطلاق.

لكن هناك بعض المخاوف: أولا، على الرغم من أن تلك التمويلات تبدو ضخمة، فإن حجم صناديق الاستثمار في الشركات الممتثلة للحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية لا يمثل سوى 3% من إجمالي الأصول تحت الإدارة في صناديق الاستثمار العالمية بمختلف أنواعها. وثانيا لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت تلك التدفقات القياسية تعكس تحولا صادقا من جانب المستثمرين، أم هي نتاج حمى الاستثمار في كل فئات الأصول بعد الأموال الضخمة التي ضختها البنوك المركزية في الأسواق. ولا يمكننا أن نتخطى الاختلاف بين الأقوال والأفعال، فتصريحات رئيس بلاك روك لاري فينك المشجعة في يناير الماضي، تجاهلتها قرارات شركته في وقت لاحق. وسيعتمد استمرار الاتجاه نحو الاستثمار المؤثر بيئيا واجتماعيا في 2021 على عمالقة التمويل العالميين، وما إذا كانت أفعالهم ستتطابق مع أقوالهم أم لا.

2021 في الأسواق الناشئة والمبتدئة: ستتوقف التوقعات الاستثمارية والمالية واتجاهات السياسة النقدية في الأسواق الناشئة على مسار الجائحة ونشر اللقاحات على شرائح واسعة من المواطنين. وفي الوقت الحالي لا أحد يعلم كيف ستجري الأمور. ينقسم المحللون حول ما إذا كانت موجة صعود الأسواق في أواخر العام الجاري ستستمر طويلا أم لا. يتوقع البعض عاما من التدفقات المالية الضخمة في تلك الأسواق، ولكن سوستيه جنرال وإتش إس بي سي يحذران من أن حالة الغموض بشأن برامج التطعيم الموسع ضد "كوفيد-19"، وكذلك الغموض بشأن موعد تعافي الاقتصاد الحقيقي، وتراكم الديون، قد تؤدي إلى تقلبات أخرى في العام الجديد. ومن المحتمل أن تضطر البنوك المركزية التي كانت أكثر جرأة في قرارتها إلى التراجع عن برامج شراء السندات، إذا ما سارت عملية نشر اللقاحات بسرعة ويسر، ولكن بعد سلسلة من التخفيضات الائتمانية هذا العام، سيستمر تراكم الديون في خلق مشاكل قد تهدد بعض الدول بخطر التخلف عن سدادها.

هذه النشرة اليومية تقوم بإصدارها شركة انتربرايز فنشرز لإعداد وتطوير المحتوى الإلكتروني (شركة ذات مسئولية محدودة – سجل تجاري رقم 83594).

الملخصات الإخبارية والمحتويات الواردة بنشرة «انتربرايز» معروضة للاطلاع فقط، ولا ينبغي اتخاذ أية قرارات جوهرية دون الرجوع إلى مصدر الخبر بلغته الأصلية. كما أن محتويات النشرة تقدم “كما هي – دون استقطاع”، ولا تتحمل الشركة أو أي من العاملين لديها أو أية مسئولية تجاه دقة أو صلاحية البيانات الواردة بالنشرة باعتبارها ملخصات إخبارية.2022 Enterprise Ventures LLC ©

نشرة «إنتربرايز» الإخبارية تأتيكم برعاية «بنك HSBC مصر»، البنك الرائد للشركات والأفراد في مصر (رقم التسجيل الضريببي: 715-901-204)، و«المجموعة المالية هيرميس»، شركة الخدمات المالية الرائدة في الأسواق الناشئة والمبتدئة (رقم التسجيل الضريبي: 385-178-200)، و«سوديك»، شركة التطوير العقاري المصرية الرائدة (رقم التسجيل الضريبي:002-168-212)، و«سوما باي»، شريكنا لعطلات البحر الأحمر (رقم التسجيل الضريبي: 300-903-204)، و«إنفنيتي»، المتخصصة في حلول الطاقة المتجددة للمدن والمصانع والمنازل في مصر (رقم التسجيل الضريبي: 359-939-474)، و«سيرا للتعليم»، رواد تقديم خدمات التعليم قبل الجامعي والجامعي بالقطاع الخاص في مصر (رقم التسجيل الضريبي: 608-069-200)، و«أوراسكوم كونستراكشون»، رائدة مشروعات البنية التحتية في مصر وخارجها (رقم التسجيل الضريبي: 806-988-229)، و«محرم وشركاه»، الشريك الرائد للسياسات العامة والعلاقات الحكومية (رقم التسجيل الضريبي: 459-112-616)، و«بنك المشرق»، البنك الرائد بالخدمات المصرفية للأفراد والخدمات المصرفية الرقمية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (رقم التسجيل الضريبي: 862-898-204)، و«بالم هيلز للتعمير»، المطور الرائد للعقارات التجارية والسكنية (رقم التسجيل الضريبي: 014-737-432)، و «مجموعة التنمية الصناعية (آي دي جي)»، المطور الرائد للمناطق الصناعية في مصر (رقم التسجيل الضريبي 253-965-266)، و«حسن علام العقارية – أبناء مصر للاستثمار العقاري»، إحدى كبرى الشركات العقارية الرائدة في مصر (رقم التسجيل الضريبي: 567-096-553)، ومكتب «صالح وبرسوم وعبدالعزيز وشركاهم»، الشريك الرائد للمراجعة المالية والاستشارات الضريبية والمحاسبية (رقم التسجيل الضريبي: 827-002-220).