الرجوع للعدد الكامل
الأربعاء, 8 يوليو 2020

شركات إدارة المخلفات تواجه عقبات عديدة .. وتلك هي الأسباب

شركات إدارة المخلفات تواجه عقبات عديدة .. وتلك هي الأسباب: قبل عقدين من الزمن بدأت مصر في التوجه نحو إدارة أفضل لمخلفاتها، كبديل عن حرقها أو جمعها في مكبات غير صحية. وتمثل التغيير الأكبر آنذاك في منح القطاع الخاص حوافز للاستثمار في التخلص السليم من المخلفات وإعادة تدويرها لمواد خام يمكن استخدامها. وخصصت الحكومة لهذا التوجه مليارات الجنيهات وتلقت في سبيله القروض والمنح المختلفة من منظمات متعددة الأطراف وهيئات تعاون دولية وحكومات غربية، حسبما صرح أحمد البري، رئيس جهاز تنظيم إدارة المخلفات، لإنتربرايز.

ولكن تراجع ذلك التوجه بإغلاق 15 شركة إدارة للمخلفات من القطاع الخاص منذ 2013، طبقا لكريم السبع، رئيس شركة ريلاينس للاستثمار وإدارة المشروعات، والمتخصصة في إدارة المخلفات.

المشكلات الهيكلية في منظومة إدارة المخلفات في مصر شكلت عقبة أمام القطاع الخاص. وتضمنت تلك المشكلات أن أطر العمل في مصر لا تنظم عملية جمع المخلفات، إضافة إلى أن السوق ليست داعمة للمنتجات الثانوية عن إعادة التدوير. كما توقفت الحكومة عن سداد رسوم الخدمة للجهات التي تقوم بإعادة التدوير، والتي كانت تخفف من أثر العقبات التنظيمية. وتطالب الشركات الخاصة في مجال إدارة المخلفات الحكومة بالتدخل عن طريق إجراءات تحفيزية لإنقاذ القطاع.

لماذا لجأت الحكومة للقطاع الخاص لإدارة المخلفات في المقام الأول؟ الجواب باختصار أن عملية إدارة المخلفات غير فعالة وباهظة التكلفة. فمصر تنتج ما بين 50 و60 ألف طن من المخلفات الصلبة يوميا وهو ما يصل إلي 22 مليون طن سنويا، وفقا للبري. وتبدأ تلك العملية بجمع المخلفات من المصدر، سواء كان منزلا أو شركة. ويكلف ذلك وحده نحو 480-1122 جنيها للطن في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل. وفي مصر، تبلغ تكلفة جمع طن واحد من المخلفات 480 جنيها تقريبا، حسبما ذكر هشام الشريف، رئيس مجلس إدارة الشركة المصرية لتدوير المخلفات الزراعية (إيكارو) التابعة للقلعة القابضة.

ولتمويل إعادة التدوير ومعالجة المخلفات، أصدرت الدولة في 2005 قانونا بإدخال رسوم جمع المخلفات من المنازل والشركات على فاتورة الكهرباء. ولكن الرسوم التي جمعتها الدولة غطت 20% فقط من تكاليف جمع المخلفات، بحسب الشريف. ويرجع جانب من المشكلة إلى جمع المخلفات فقط من شوارع القاهرة والإسكندرية، فيما تتكلف الإدارات المحلية بجمع المخلفات في المحافظات والمدن الأخرى بنفسها أو من خلال المنظمات غير الحكومية.

وللتوسع في تمويل البرنامج أطلقت الحكومة البرنامج الوطني لإدارة المخلفات الصلبة عام 2012. وقال البري إن البرنامج استهدف توجيه التمويل من الاتحاد الأوروبي والحكومة الألمانية لتدشين وحدات متخصصة لإدارة المخلفات في أنحاء البلاد، وهو ما حدث بالفعل في أربع محافظات هي الغربية وكفر الشيخ وأسيوط وقنا.

حصل القطاع الخاص على حوافز للمشاركة في إعادة التدوير ومعالجة المخلفات، بينها توفير الحكومة المخلفات الصلبة دون تكلفة، وتخصيص الأراضي لإقامة المنشآت المطلوبة لتصنيع المنتجات الثانوية الناتجة عن العملية والتي يمكن بيعها في السوق. وفي بعض الحالات تعاقدت الشركات أيضا على جمع المخلفات بأنفسها. وكحافز إضافي للشركات للدخول في السوق تعهدت الحكومة أيضا بدفع مقابل لإدارة المخلفات، يتم تحديده وفقا للاتفاق المبرم بين الطرفين. وكانت "إيكارو" أحد أوائل الشركات المستفيدة من النظام عند إطلاقه في 2004، إذ دفعت الحكومة 78 جنيها مقابل كل طن من المخلفات التي تعيد الشركة تدويرها، وفقا للشريف. ووفر البرنامج الوطني لإدارة المخلفات الصلبة جانبا من ذلك التمويل. وحصلت شركة أخرى، هي نهضة مصر التابعة للمقاولون العرب، على 850 ألف جنيه سنويا عند التعاقد معها في 2011، وفق ما صرح به نائب رئيس الشركة المسؤولة عن جمع القمامة في الإسكندرية أسامة الخولي، لإنتربرايز.

ويتوقع من الشركات أن تعيد تدوير ما بين 65-80% من المخلفات التي تتلقاها، وهي نسبة مرتفعة جدا مقارنة بـ 39% فقط في الدول الأعلى دخلا، طبقا للشريف.

ومن ثم تحقق الشركات ربحا من بيع المنتجات الثانوية عن إدارة المخلفات. فبالإضافة لرسوم الخدمة، تربح شركات إدارة المخلفات من تلك المنتجات، وأكثرها ربحا هي الناتجة عن إعادة التدوير، مثل العبوات المعدنية والبلاستيك والزجاج، والتي تولد عائدا يصل إلى 70 دولارا للطن. ويباع الوقود المشتق من النفايات لمصانع الأسمنت مقابل 30 دولارا للطن، بينما يباع السماد الطبيعي للمزارع بـ 3 دولارات للطن.

المشاكل التي يواجهها النظام تبدأ من المصدر، أي مرحلة جمع القمامة: نسبة إجمالي المخلفات التي يمكن استخدامها في إعادة التدوير لا تتجاوز 20% فقط، بسبب عدم وجود أنظمة كافية لترتيب جمع المخلفات ونقلها، كما أخبرنا السبع، مضيفا أن 0.5% فقط من هذه النسبة تكون عالية القيمة. وتُجمع القمامة من منازل القاهرة الكبرى فحسب، أما بقية سكان الدولة فيتعين عليهم توصيل مخلفاتهم إلى أقرب مكب قمامة، أو الاستعانة بخدمات جامعي المخلفات غير الرسميين (مثل الزبالين) كل صباح، بينما يسعى الزبالون لجمع القمامة عالية القيمة، بحسب السبع. ويشكل عدم وجود نظام رسمي لجمع المخلفات خارج العاصمة مصدر قلق كبير للمواطنين والمسؤولين على حد سواء. ونقل موقع اليوم السابع أنه حتى المدن الكبرى مثل الإسكندرية تعاني من مشكلة المخلفات، بل إن المشكلة تفاقمت حتى اضطرت بعض المستشفيات إلى التخلص من مخلفاتها الطبية بشكل غير صحيح.

وهناك مشكلة الأسمدة: يوضح السبع أنه "حين يفتش الزبالون في مكبات القمامة، فإنهم يكسرون الحاويات ويقطعون أكياس المخلفات، مما يتسبب في تسرب المواد العضوية الضرورية لإنتاج السماد". ولفت الخولي إلى أن بيع الأسمدة عمل غير مربح أساسا، إذ يكلف إنتاج الطن الواحد 200 جنيه، بينما يباع مقابل 50 جنيها فقط.

ومشكلة الوقود المشتق من النفايات: كان استخدام المخلفات لتخليق الوقود مجالا مبشرا في البداية، لكنه تراجع بشكل حاد حتى اضطرت 12 شركة على الأقل إلى الإغلاق، وفقا للسبع. وبرز الوقود المشتق من النفايات (RDF) خلال أزمة نقص الغاز الطبيعي عام 2012، باعتباره بديلا محتملا للغاز والفحم المستخدم في إنتاج الأسمنت. ويوضح السبع لإنتربرايز أن انخفاض أسعار الفحم جذب أنظار الشركات بعيدا عن الوقود الجديد. ومنذ بداية 2019 حتى الآن هبطت أسعار الفحم إلى النصف وارتفعت قيمة الجنيه، مما خفض تكلفة الاستيراد بنحو 50% لتصل إلى 1100 جنيه للطن. أما فحم الكوك المحلي فسعره أرخص، إذ يتراوح بين 750-800 جنيه للطن. وبالإضافة إلى كونه خيارا أرخص، يوفر الفحم ضعف الطاقة الحرارية التي يقدمها الوقود المشتق من النفايات.

ومشكلة تحويل القمامة إلى طاقة: وصفت الحكومة مجال تحويل المخلفات إلى طاقة (WtE) بأنه فرصة كبيرة لشركات القطاع الخاص. ويشير البري إلى تقدم 93 شركة بعروض ضمن مناقصة التأهيل المسبق الشهر الماضي لبناء مشروعات جديدة لتحويل المخلفات إلى طاقة، مدفوعة بالسعر العالي لتعريفة الطاقة بنحو 1.4 جنيه لكل كيلووات ساعة. لكن، وكما أشرنا في سلسلتنا حول تأثير "كوفيد-19" على قطاع الطاقة المتجددة، فإن مصر لديها فائض في إنتاج الطاقة المتجددة، مما يهدد بوقف الاستثمار مؤقتا في مصادر الطاقة المتجددة والطاقة البديلة. ويتساءل الشريف: "لماذا يقرر المصنع شراء الطاقة المنتجة من المخلفات بهذا السعر المرتفع، بينما الكهرباء متاحة بالفعل بسعر أرخص؟". وتقع الطاقة المنتجة من النفايات في مرتبة متأخرة حتى عن الطاقة المتجددة بسبب توفر الشمس والرياح، بالإضافة إلى التراجع المستمر في تكاليف مصادر الطاقة المتجددة مقارنة بتوليدها من المخلفات.

وقد توقفت رسوم الخدمة منذ عام 2013، بعد أن كانت شريان الحياة للشركات المتعثرة، وفق ما أخبرنا به السبع، موضحا أن الشركات التي دخلت المجال بعد 2013 لم تتمكن من الحصول على رسوم الخدمة، واعتمدت فقط على عائدات بيع المنتجات الثانوية الناتجة من معالجة المخلفات. ويذكر البري أن الحكومة لم تدفع رسوم الخدمة قط، بل عرضت على الشركات حوافز في البداية لمساعدة السوق على الانطلاق، ثم توقفت عن دفع تلك الحوافز عندما دخل مزيد من المستثمرين. وحين بدأت ريلاينس في عام 2015، اعتمدت بشكل كامل على عائدات بيع الوقود المشتق من النفايات، حتى انهار هذا السوق. وبالمثل، انتهى عقد نهضة مصر في الإسكندرية عام 2015، لكن الشركة لم تتمكن من الحصول على رسوم الخدمة بعد تجديده في 2016.

والآن يطالب القطاع الخاص الحكومة بالتدخل والمساعدة في الإنقاذ ولو جزئيا، عن طريق إعادة رسوم الخدمة: يمكن أن يصبح بيع المنتجات الثانوية من المخلفات تجارة مربحة لو توفرت له سوق منظمة بدعم حكومي، لكن هذا لم يحدث، وهو ما يشير إليه السبع في حديثه مع إنتربرايز. ويلفت السبع إلى أن جمع النفايات ونقلها يكلف الدولة وحدها، لذا فإن الاستثمار في نظام أفضل لإدارة المخلفات سيقلل من حجمها وتأثيرها على البيئة، ويوفر المواد الخام بتكلفة أرخص عن طريق إعادة التدوير. ويبلغ متوسط الرسوم العالمية لإعادة التدوير ودفن المخلفات في المدافن الصحية ما بين 33-120 دولارا للطن في العام، ولهذا طلبت شركات إدارة المخلفات التفاوض مع الحكومة على رسوم مماثلة في حدود 650 جنيها للطن، بحسب الشريف.

من الذي يدفع الفاتورة في العادة؟ يسلط الشريف الضوء على تقرير للبنك الدولي نوه إلى أن نحو نصف الاستثمارات في قطاع المخلفات على مستوى العالم يكون عن طريق الإدارات المحلية، مع دعم 20% من الحكومات الوطنية، و10-25% من الاستثمارات تأتي من القطاع الخاص. وفي حالة البرنامج الوطني لإدارة المخلفات الصلبة، عززت مصر، بدعم من منظمات التمويل الدولية، أقسام إدارة النفايات المخصصة واستغلت استثمارات جديدة تفيد أكثر من 29 ألف أسرة، بحسب ما يذكره البري. ويقول الخولي: "كانت الحكومة داعمة للصناعات المحلية جدا، وعملت على كثير من المبادرات للمساعدة"، مشيرا إلى التخفيضات الأخيرة على الكهرباء والغاز الطبيعي، مضيفا: "نريد فقط الحصول على حوافز مماثلة".

مجلس الوزراء يراجع الطلبات: عرضت عدة شركات أفكارها على وزيري البيئة السابقين، وكذلك على رئيس الوزراء مصطفى مدبولي في ديسمبر 2018، بحسب الشريف. وقال البري لإنتربرايز إن الحكومة على دراية بتلك المطالب، وإنها أعدت دراسة يراجعها الآن رئيس الوزراء.

هل يكون الحل في جهاز تنظيم إدارة المخلفات؟ وافق مجلس مدبولي في العام الماضي على مشروع قانون بتأسيس سلطة مستقلة تحت اسم "جهاز تنظيم إدارة المخلفات"، بحيث يعمل على مراقبة وتنظيم صناعة إدارة المخلفات، ويمتد عمله كذلك إلى جذب الاستثمار الخارجي. ويقول الشريف إن وجود هيئة موحدة لوضع سياسات تحدد عمل هذا القطاع المبعثر سيكون بداية قوية، لكنه يضيف أنه ربما يكون أفضل ما تضيفه تلك الهيئة للأزمة الحالية، أن تعمل كنقطة اتصال وتلقي شكاوى موحدة للمستثمرين الذين يبحثون عن حلول لإنقاذ شركاتهم.

هذه النشرة اليومية تقوم بإصدارها شركة انتربرايز فنشرز لإعداد وتطوير المحتوى الإلكتروني (شركة ذات مسئولية محدودة – سجل تجاري رقم 83594).

الملخصات الإخبارية والمحتويات الواردة بنشرة «انتربرايز» معروضة للاطلاع فقط، ولا ينبغي اتخاذ أية قرارات جوهرية دون الرجوع إلى مصدر الخبر بلغته الأصلية. كما أن محتويات النشرة تقدم “كما هي – دون استقطاع”، ولا تتحمل الشركة أو أي من العاملين لديها أو أية مسئولية تجاه دقة أو صلاحية البيانات الواردة بالنشرة باعتبارها ملخصات إخبارية.2022 Enterprise Ventures LLC ©

نشرة «إنتربرايز» الإخبارية تأتيكم برعاية «بنك HSBC مصر»، البنك الرائد للشركات والأفراد في مصر (رقم التسجيل الضريببي: 715-901-204)، و«المجموعة المالية هيرميس»، شركة الخدمات المالية الرائدة في الأسواق الناشئة والمبتدئة (رقم التسجيل الضريبي: 385-178-200)، و«سوديك»، شركة التطوير العقاري المصرية الرائدة (رقم التسجيل الضريبي:002-168-212)، و«سوما باي»، شريكنا لعطلات البحر الأحمر (رقم التسجيل الضريبي: 300-903-204)، و«إنفنيتي»، المتخصصة في حلول الطاقة المتجددة للمدن والمصانع والمنازل في مصر (رقم التسجيل الضريبي: 359-939-474)، و«سيرا للتعليم»، رواد تقديم خدمات التعليم قبل الجامعي والجامعي بالقطاع الخاص في مصر (رقم التسجيل الضريبي: 608-069-200)، و«أوراسكوم كونستراكشون»، رائدة مشروعات البنية التحتية في مصر وخارجها (رقم التسجيل الضريبي: 806-988-229)، و«محرم وشركاه»، الشريك الرائد للسياسات العامة والعلاقات الحكومية (رقم التسجيل الضريبي: 459-112-616)، و«بنك المشرق»، البنك الرائد بالخدمات المصرفية للأفراد والخدمات المصرفية الرقمية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (رقم التسجيل الضريبي: 862-898-204)، و«بالم هيلز للتعمير»، المطور الرائد للعقارات التجارية والسكنية (رقم التسجيل الضريبي: 014-737-432)، و «مجموعة التنمية الصناعية (آي دي جي)»، المطور الرائد للمناطق الصناعية في مصر (رقم التسجيل الضريبي 253-965-266)، و«حسن علام العقارية – أبناء مصر للاستثمار العقاري»، إحدى كبرى الشركات العقارية الرائدة في مصر (رقم التسجيل الضريبي: 567-096-553)، ومكتب «صالح وبرسوم وعبدالعزيز وشركاهم»، الشريك الرائد للمراجعة المالية والاستشارات الضريبية والمحاسبية (رقم التسجيل الضريبي: 827-002-220).