الحكومة تتطلع إلى مشاركة القطاع الخاص في برنامج جديد للتعليم المهني
الحكومة تتطلع إلى مشاركة القطاع الخاص في برنامج جديد للتعليم المهني: في محاولة لمعالجة الندرة المزمنة في المهارات الرئيسية في سوق العمل والتي طالما كانت شكوى جوهرية بين أصحاب العمل، تعمل وزارة التربية والتعليم على حشد الدعم من القطاع الخاص للمساعدة في تطوير نظام تعليم مهني أكثر قوة. ويرى المسؤولون أن مشاركة القطاع الخاص في هذا البرنامج تنطوي على العديد من الفوائد: فمن شأن ذلك أن يوفر على الحكومة بعض المال، بينما تكسب الشركات في القطاع الخاص بعض الأموال، كما أنها ستستفيد في الوقت ذاته من إعداد عمالة أكثر تأهيلا. ورغم ذلك، لا يبدو أن البرنامج لاقى الترحيب الكافي من بعض المسؤولين في القطاع الخاص تحدثت إليهم إنتربرايز، ومن بينهم اتحاد الصناعات المصرية ومؤسسة غبور للتنمية وهي منظمة غير حكومية معنية بالتدريب المهني، والذين طالبوا بتقليل الروتين والمزيد من الأسباب التي تشجعهم على الالتزام تجاه هذا البرنامج على المدى الطويل.
ومن المهم توضيح أن المدارس التي نتحدث عنها هي تلك التي تقبل الطلاب الحاصلين على الشهادة الإعدادية. وتختلف تلك المدارس عن المدارس التجارية التي تتيح مؤهلات ما بعد المرحلة الثانوية مثل معهد تكنولوجيا المعلومات والذي يعمل على مستوى تعليم أعلى ويعد مكافئا للجامعات في الوظائف التي تتطلب مهارات. ومن بين المدارس التي تنتمي إلى الفئة الأولى "مدارس التكنولوجيا التطبيقية" أو تلك المتخصصة في تدريب عمال المصانع، وغالبا بالتعاون مع أصحاب تلك المصانع. ويقول نائب وزير التربية والتعليم للتعليم الفني محمد مجاهد إن هناك 11 مدرسة من هذا النوع حاليا في البلاد. ومن أبرز تلك المدارس مدرسة العربي للتكنولوجيا التطبيقية بمحافظة المنوفية، بالشراكة مع مجموعة شركات ومصانع العربي، ومدرسة التكنولوجيا التطبيقية للميكاترونيات المتخصصة بمجال الميكاترونيات بمحافظة القاهرة، بالشراكة مع شركتي "الماكو" و"إيجيترافو".
وصممت الحكومة برنامجا لإنشاء 100 مدرسة للتكنولوجيا التطبيقية بالتعاون مع شركاء صناعيين بحلول 2030، وذلك بالشراكة مع الخاص، حسبما صرح نائب وزير التربية والتعليم للتعليم الفني في فبراير الماضي. وقال مجاهد آنذاك إن البرنامج يستهدف إنشاء 10 مدارس سنويا اعتبارا من العام الجاري.
وكان من المخطط الانتهاء من الدفعة الأولى من تلك المدارس هذا العام، ولكن جائحة "كوفيد-19" تسببت في توقف العملية. وتضمنت الخطة التي خرجت عن الجدول الزمني المخطط لها منح 10 تراخيص سنويا لشركاء من القطاع الخاص- من المتوقع أن يكون معظمهم من أصحاب المصانع- لتشغيل مدرسة قائمة أو الحصول على قطعة أرض لإنشاء مدرسة جديدة خلال 6 سنوات، حسبما صرح مجاهد لإنتربرايز. وأضاف أن الشركاء من القطاع الخاص سيتعين عليهم الحصول على اعتماد من منظمات أجنبية لتشغيل المدارس، وتشجعهم الوزارة على الحصول على هذا الاعتماد من ألمانيا صاحبة الريادة في نموذج التعليم المزدوج، أو من المملكة المتحدة.
وبالإضافة إلى بناء مدارس جديدة، تعمل وزارة التربية والتعليم على تجديد شامل للمناهج. وقال مجاهد إن الإدارة أجرت لقاءات بالفعل مع العديد من رجال الصناعة لتعديل 36 مادة دراسية وتطبيقها على 105 مدارس خلال العام الدراسي الجاري، على أن يجري التوسع في تطبيقها تدريجيا في 2500 مدرسة. وتهدف تلك الخطوة إلى بناء مناهج قائمة على الكفاءة أكثر من نظيرتها التي يتم تطبيقها، وفق مجاهد.
على أنه يمكن القول جدلا أن القطاع الخاص هو أكبر مستفيد من المدارس المهنية، إلا أنه يقوم بتشغيل نسبة ضئيلة من تلك المدارس، إذا يوجد في مصر نحو 2472 مدرسة مهنية، من بينها 284 مدرسة فقط تخضع لإدارة القطاع الخاص، وذلك وفق بيانات وزارة التربية والتعليم. وتقوم معظم المدارس التي يشارك فيها القطاع الخاص بتأهيل الطلاب للعمل في مجالي التجارة وإدارة الأعمال، فيما توجد نحو 22 مدرسة فقط تعمل على تأهيل الطلاب للعمل في الفنادق وعدد قليل تؤهل الطلاب للعمل في المصانع.
من الذي يشارك من القطاع الخاص في التدريب المهني؟ تعد مجموعة جي بي أوتو (غبور أوتو) أحد النماذج، ولكنها تقوم بذلك بدافع المسؤولية المجتمعية. وتدير مؤسسة غبور للتنمية وهي منظمة غير حكومية أطلقتها الشركة في 2017، ثلاثة مراكز للتدريب الفني تعتمد على التعليم المزدوج، وهي فكرة ابتدعتها ألمانيا التي لتعليم طلاب المدارس الثانوية بعض المهارات التقنية والفنية إلى جانب المعرفة النظرية.
وتعد "السويدي" شريكا آخر محتملا من القطاع الصناعي: حصلت مجموعة السويدي التي تمتلك أكاديمية السويدي الفنية وهي مدرسة فنية ثانوية صناعية لتدريب العاملين لديها، على موافقة وزارة التربية والتعليم على تحويل الأكاديمية إلى مدرسة خاصة للتدريب المهني تقدم شهادات معتمدة من الوزارة، وفق مجاهد.
وإلى جانب التصنيع، تعد مؤسسة ساويرس للتنمية أحد النماذج الناجحة، والتي تدير المدرسة الألمانية الفندقية بالجونة. وتبلغ مصاريف الدراسة في تلك المدرسة 9500 جنيه إذا كان له مكان إقامة خاص به وتكون الدراسة باللغتين العربية والألمانية لمدة 3 سنوات. ويدرس الطلاب أيضا اللغة الإنجليزية، ويحصلون على شهادة دبلوم فني فندقي من وزارة التربية والتعليم عقب التخرج، بالإضافة إلى شهادة فني فندقي من غرفة الصناعة والتجارة الألمانية معترف بها دوليا.
ولكن للمزيد من المشاركة من قبل القطاع الخاص، قد لا تكون الحوافز كافية لتعويض العوائق التي يخلفها الروتين: الحكومة تحتاج إلى تبسيط إجراءات المناقصات والتراخيص إذا كان لديها الرغبة في حشد اهتمام القطاع الخاص، بحسب تصريحات عضو مجلس اتحاد الصناعات المصرية محمد سعد الدين لإنتربرايز. وبالفعل تستثمر العديد من المصانع وأصحاب الأعمال اليدوية في التدريب، ما يعني أن القطاع الخاص لديه خيارات أخرى للشراكة لدراستها إذا بدت الحكومة أقل "جدية ومرونة". وفي بعض الأحيان، تبرم تلك الشراكات بالتأسيس مباشرة مع كيان أجنبي. فشركة سيمنز على سبيل المثال تحالفت مع الوكالة الألمانية للتعاون الدولي GIZ لإنشاء الأكاديمية المصرية الألمانية للتدريب التقني.
القطاع الخاص يرغب في المزيد من خلال الحوافز: يحتاج الشريك من القطاع الخاص بشكل أساسي إلى الحكومة لأن إدارة المدارس الفنية تعد أمرا مرهقا ماليا وإجرائيا، وفق سعد الدين. إن شروط الاعتماد تعني أنه يجب التزام الشركاء على المدى الطويل، وأن الالتزام ينطبق على الطرفين. وفي حين يقترح سعد الدين أن الحكومة يجب أن تطلع على برامج مماثلة في الخارج لتقديم حوافز مماثلة مثل الإعفاءات الضريبية أو المزايا الخاصة، تجدر الإشار إلى أن اللاعبين من القطاع الخاص يدخلون أحيانا في تلك الشراكات لتحسين اختيارهم للأفضل في سوق العمل، بدلا من السعي لتحقيق أرباح مادية.
وهناك أيضا مشكلة محدودية التمويل من الحكومة: فقسم التعليم الفني الذي يرأسه مجاهد ليس لديه ميزانية مستقلة، ويجري التعامل معه كجزء لا يتجزأ من التعليم العام، رغم أن تكلفة تخريج طالب واحد من التعليم الفني تتجاوز نظيره في التعليم التقليدي. بشكل عام، تتراوح تكلفة المدرسة الواحدة من التشغيل اليومي إلى شراء الأدوات والمعدات اللازمة ما بين 6 إلى 7 ملايين جنيه سنويا، وفق مجاهد. ورغم ذلك، لا تنفق الدولة سوى مليار جنيه فقط على التعليم الفني، وهو جزء من ميزانية التعليم السنوية البالغة 100 مليار جنيه تقريبا.
وثمة مشكلة أخرى في البنية التحتية للإنترنت لكن "كوفيد-19" فرض التغيير: عندما اضطرت المدارس الفنية، شأنها شأن المدارس الأخرى، للإغلاق وتطبيق التعليم عن بعد في ضوء الإجراءات الاحترازية لمواجهة وباء "كوفيد-19"، أطلقت وزارة التربية والتعليم قناة فضائية لبث المناهج الدراسية نظرا لأن اتصال الإنترنت شبه منعدم تقريبا، وفق ما صرح به مجاهد لإنتربرايز. وأضاف أن أزمة "كوفيد-19" تساعد في بناء قدرات الاتصال بشبكة الإنترنت، مشيرا إلى أن إدارته قدمت مؤخرا طلبا إلى الحكومة للحصول على التمويل اللازم للبنية التحتية الرقمية للمدارس.
وتعد النظرة إلى التعليم الفني من بين العوائق التي تقف في طريقه: فأحيانا ينظر المجتمع بطريقة دونية إلى الحاصلين على الدبلومات الفنية الذين لم يلتحقوا بالجامعة. وقد تطرق الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى هذا التخوف في منتدى شباب العالم العام الماضي (شاهد 1:14 دقيقة)، مما دفع وزارة التربية والتعليم إلى وضع خطة لتحسين جودة التعليم المهني العام، بالتوازي مع برنامج الشراكات مع القطاع الخاص. وأدت الجهود المبذولة في الآونة الأخيرة إلى تحسين الطلب على الالتحاق بالمدارس الفنية، لا سيما في محافظتي الغربية والإسكندرية، وفق مجاهد.
ويعد تحفيز القطاع الخاص لتطوير المدارس من خلال إطار الشراكة بين القطاعين العام والخاص، من أبرز السياسات التي تبنتها وزارة التربية والتعليم، وجرى وضعها موضع التنفيذ في البرنامج الحالي لإنشاء المدارس في إطار الشراكة بين القطاعين العام والخاص. فقد أدركت الوزارة أن الجمهور ينظر بالفعل إلى القطاع الخاص على أنه يقدم خدمات تعليم أفضل جودة، وبالتالي فإن دفع القطاع الخاص لإدارة وتشغيل المزيد من المدارس يعد خطوة أكيدة إلى الأمام. ويبدو الآن أن القطاع الخاص يحتاج إلى الحكومة أن تقدم المزيد لتحفيزهم على الالتزام على المدى الطويل والوصول إلى اتفاق يرضي الجميع في شراكة طالما طالبوا بها.