الآثار المترتبة على قرار "التربية والتعليم" بوضع حد أقصى قدره 20% لملكية المستثمرين الأجانب في المدارس
الآثار المترتبة على قرار "التربية والتعليم" بوضع حد أقصى قدره 20% لملكية الأجانب في المدارس: في 2 أكتوبر الماضي، نقلت مواقع إخبارية عن مصادر خاصة قرارا أصدره وزير التربية والتعليم، طارق شوقي، بوضع حد أقصى قدره 20% لملكية المستثمرين الأجانب بالمدارس الخاصة، وهو ما تسبب في حدوث اعتراضات داخل القطاع. وقبل أسبوعين من انتشار تلك الأخبار، أصدر شوقي أيضا قرارا مماثلا بوضع حد أقصى لملكية الأجانب قدره 20% في المدارس الدولية. ولم توضح الوزارة حتى الآن الأسباب وراء هذا القرار.
على من ينطبق القرار؟ جرى تطبيق الحد الأقصى البالغ 20% على جميع الأجانب، بمن فيهم المصريون ذوو الجنسية المزدوجة، والصناديق الاستثمارية والمؤسسات والهيئات. وسيكون على المستثمرين تقديم مستندات تحدد ملكيتهم ولن يسمح لهم ببيع أي سهم دون موافقة مسبقة.
النتيجة: على الأقل واحد من الاستثمارات الضخمة في قطاع التعليم تجمد حاليا، ويطالب المستثمرون الأجانب بالوضوح فيما يتعلق بهذا القطاع، الذي طالما حظي، إلى جانب قطاع الرعاية الصحية، بأهمية بالغة للشركات المالية والمستثمرين الاستراتيجيين. ويرى المسؤولون بصناديق الاستثمار المباشر التي تستثمر في مجال التعليم، وكذلك المسؤولون بالمدارس الذين تحدثت إنتربرايز معهم أن القرار له آثار سيئة على عمليات الدمج والاستحواذ والاستثمار الأجنبي المباشر في هذا القطاع الواعد. والأسوأ من ذلك من وجهة نظرهم أن القرار يبعث برسالة خاطئة عن مصر كوجهة استثمارية.
واستجابة للاعتراضات تدرس وزارة التعليم رفع حصص الملكية: بعد أن بذل أعضاء القطاع جهودا حثيثة للتراجع عن القرار أو تخفيفه، يفكر المسؤولون في الوزارة وقطاع التعليم الخاص العمل سويا لتعديل الحد الأقصى، وفقا لما صرح به مصدر مطلع لإنتربرايز. علاوة على ذلك، تدرس الوزارة تشكيل لجنة قد تبحث في إعفاء المستثمرين "الجادين" من الحد الأقصى تماما. ومن غير الواضح حتى الآن ما إذا كانت الوزارة ستبقي على معاملة مزدوجي الجنسية كأجانب أم لا في المراجعة التي تجريها حاليا.
لم تكن هناك نية لدى الحكومة لخروج القرار إلى العلن بهذا الشكل. وتقول المصادر إن القرار جرى إعداده في أغسطس الماضي وتسرب إلى الصحف في أكتوبر. ووفقا للمصادر، فإن القرار المسرب لم يكن نهائيا، ولم يكن المسؤولون يفضلون أن يكشف عنه حينها.
وقد تواصلنا مع مسؤولين حكوميين للمساعدة في فهم القرار والأسباب وراءه، لكنهم رفضوا التعليق.
وكشف مدير أحد صناديق الاستثمار المباشر، والذي تحدث لإنتربرايز شرط عدم ذكر اسمه، أن الصندوق الذي يديره تراجع عن خطة لاستثمار أكثر من 100 مليون دولار في مجال التعليم قبل الجامعي. ولا يدرس الصندوق أي استثمارات أخرى في هذا القطاع، لكنه يدرس الاستثمار في قطاعات أخرى في مصر. وقال مسؤولو العديد من شركات الاستثمار المباشر الذين تواصلت معهم إنتربرايز إن خطط الاستثمارات المزمعة في مجال التعليم في مصر تجمدت في الوقت الحالي.
القرار تسبب أيضا في تقويض النفقات الرأسمالية لبعض المدارس المصرية الخاصة. إذ صرح محمد القلا الرئيس التنفيذي لشركة القاهرة للاستثمار والتنمية العقارية، المالكة لمدارس مافريكس والمستقبل وجامعة بدر، بأن القرار عرقل 300 مليون جنيه مخصصات كان من المستهدف توجيهها للخطط التوسعية بالقطاع على مدار الـ 3 إلى 4 سنوات المقبلة. وكذلك صرح مسؤول بإحدى المدارس الأخرى لإنتربرايز، فضل عدم الكشف عن اسمه، أنه سيكون هناك إحجام عن متابعة الخطط التوسعية بسبب التأثير السلبي الذي قد يسببه القرار الأخير على قطاع المدارس الخاصة.
التأثير الأوسع نطاقا للقرار: وبعيدا عن تهديد الخطط التوسعية والنفقات الرأسمالية المستثمرين بسبب القرار، إلا أن العديد من المستثمرين الذين تواصلنا معهم يرون أن للقرار تأثير ذو نطاق أوسع على القطاع ومناخ الاستثمار ككل. وتتضمن تلك الآثار التالي:
الأثر الأول: يؤثر القرار بشدة على قطاع في حاجة ماسة للاستثمارات: "في الأسواق الناشئة، يعد قطاع التعليم قطاعا جذابا للغاية"، حسبما صرح شريف الخولي الشريك والرئيس الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا بصندوق "أكتيس" للاستثمار المباشر لإنتربرايز. وتضع تلك القيود مصر في وضع غير موات نسبيا مقارنة بالأسواق الناشئة الأخرى، كما سيضع الاستثمار بقطاع التعليم موضع تساؤل. من جانبه صرح القلا لإنتربرايز أن هناك مئات الآلاف من الأسر بالطبقة المتوسطة بحاجة إلى توفير المئات والآلاف من الأماكن بالمدارس الخاصة لأولادهم. وفي الوقت التي تحاول فيه الحكومة إعادة هيكلة وإصلاح نظام التعليم العام، فيجب أن يساعد القطاع الخاص في حل تلك المشكلة.
الأثر الثاني: الرسالة التي يوجهها حول مناخ الاستثمار. يقول الخولي إن القرار "يعطي رسالة للمستثمرين الأجانب بأنه من الممكن استبعادهم من أي قطاع دون حوار أو تنبيه مسبق .. وقد يحدث هذا في مجال الجامعات أو مجالات أخرى كالرعاية الصحية". واستثمرت أكتيس حوالي مليار دولار في مصر وتتضمن استثماراتها جامعة أونوريس يونايتد، أكبر شبكة جامعات خاصة في أفريقيا تمتد من المغرب وحتى جنوب أفريقيا. ويقول مدير صندوق آخر إن القرار لا ينعكس إيجابيا على المناخ الاستثماري ويجعل الاستثمار (في مجال التعليم على الأقل) محل تساؤل. ويتفق الجميع أن القرار يناقض الرسالة التي تسعى الحكومة إلى إيصالها للمستثمرين الأجانب منذ 2013.
الأثر الثالث: غياب الوضوح في البيئة التشريعية. يتفق المستثمرون ورواد الصناعة على أن القرار يبدو عشوائيا ودون إنذار، إذ يضع العديد من الأعمال القائمة بالفعل تحت التهديد. ويمتلك العديد من المدارس الخاصة والدولية الشهيرة أجانب أو مصريين يحملون جنسية مزدوجة ومن بين هذه المدارس المدرسة الأمريكية الدولية والمدرسة الإنجليزية الحديثة. فهل يدفع هذا الملاك لبيع حصصهم؟. ويتساءل أحد مديري المدارس إذا كان قانونيا أن يتم تطبيق القرار بأثر رجعي.
الأثر الرابع: الحد من نمو المدارس الدولية، سيؤثر على اجتذاب الشركات لموظفين ومديرين أجانب، حسبما صرح أحد مسؤولي المدارس الخاصة لإنتربرايز. وأوضح المسؤول أن قدرة الوافدين الأجانب على إرسال أطفالهم إلى المدارس الدولية التي تقدم منهجا مكافئا لمناهج بلدانهم الأصلية تعد ميزة إضافية لمن يفكرون في تقلد الوظائف على مستوى عالمي. وقد تكون قلة المدارس الدولية المتاحة سببا في عدم قبول الخبراء الأجانب لمناصب في مصر.
ويطالب القلا والخولي بإلغاء القرار فورا. ويقول الخولي إن التعليم قطاع حساس سياسيا واجتماعيا، وهو ما يفسر وضعه تحت العدسة التنظيمية ولكن "هناك العديد من الوسائل الأخرى لضمان أمان واستقرار القطاع دون منع المستثمرين الأجانب وأفضل طريقة للوصول لذلك هو فتح حوار بناء بين المشرع والمستثمرين". ويتفق القلا بدوره على أنه من الطبيعي أن تحدد الدولة ما تشاء من معايير لقطاع حساس مثل التعليم وأن الحوار بين القطاع الخاص والحكومة سيؤدي للوصول لحل وسط. ويضيف القلا أنه ضمن المشاركين في اجتماعات لوضع هذه المعايير.
ويبدو أن مصر ليست وحدها في الجدل حول التأثير الأجنبي على التعليم، ففي كندا قامت ثلاث هيئات تعليمية في مقاطعات تورونتو ومانيتوبا ونيو برونزويك بإلغاء اتفاقيات كانت ستتيح تعليم اللغة والثقافة الصينية في مدارسها بدعوى أن المدارس، الممولة من الحكومة الصينية، ستكون أداة دعاية للنظام أو تحظر المناقشات في مواضيع عدة.
ويأمل البعض في أن يتم إلغاء القرار، وإذا لم يتحقق ذلك فهم يرغبون في أن يتحقق بعض الوضوح وهو ما يتوقع القلا حدوثه. وفي كلتا الحالتين يطالب الجميع باتخاذ القرار سريعا وذلك لتحديد مصير الاستثمارات الأجنبية الحالية في القطاع.