الاقتراض المكثف وأدوات الدين الجديدة حصنت الاقتصاد من تأثيرات الجائحة: مع اشتداد أزمة "كوفيد-19"، بدأ كل من الحكومة والقطاع الخاص مساعي حثيثة للحصول على تمويلات. وسعيا لاستمرار النشاط الاقتصادي، أطلقت الحكومة حزمة تحفيز مالي تضمنت 100 مليار جنيه لتلبية احتياجات الإنفاق الطارئ، إضافة إلى خفض أسعار الفائدة بمقدار 400 نقطة أساس. وللاستفادة من التمويل الرخيص محليا ودوليا (نتيجة لبرامج التحفيز المماثلة التي أطلقها مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي)، كان على كل من الحكومة والشركات الاقتراض بكثافة للحفاظ على استمرار نشاطها خلال الأزمة.
وبالنسبة للحكومة فقد اتجهت إلى قروض مالية وتنموية جديدة، في حين اعتمدت الشركات على إصدارات سندات التوريق. وتماشيا مع استراتيجية البلاد لتنويع الديون، كان على كليهما اللجوء إلى أدوات دين جديدة لتوسيع خيارات الاقتراض، بما في ذلك الصكوك والسندات الخضراء.
القليل من المساعدة من المقرضين الدوليين: لجأت الحكومة، كما في الأزمات السابقة، إلى شركاء التنمية والمقرضين الدوليين لتأمين التمويل الطارئ. ووفق تقديراتنا، حصلت مصر على 25.6 مليار دولار، على هيئة قروض تنموية ومساعدات مالية، وسندات دولية، وسندات خضراء هذا العام.
ووجهت الحكومة 15.75 مليار دولار من إجمالي المبلغ الذي حصلت عليه نحو التحفيز المالي والتمويل الطارىء. وتضمن ذلك مساعدات مالية طارئة قدرها 2.8 مليار دولار في مايو الماضي من صندوق النقد الدولي، عبر أداة التمويل السريع، وذلك من أجل تلبية احتياجات التمويل العاجلة لميزان المدفوعات التي نتجت عن جائحة "كوفيد-19". ووافق الصندوق بعد ذلك بشهر واحد فقط على قرض بقيمة 5.2 مليار دولار لمدة عام، في إطار أداة "اتفاق الاستعداد الائتماني"، والذي تلقت مصر منه 3.6 مليار دولار حتى الآن. وفي أواخر أغسطس وقعت مصر تسهيل تمويلي بقيمة ملياري دولار مع عدد من مع البنوك الإقليمية والدولية، لتمويل جانب من الفجوة المالية الناتجة عن تداعيات جائحة "كوفيد-19" في موازنة العام المالي الحالي 2021/2020.
واستغلت الحكومة أيضا سوق السندات الدولية من خلال إصدار سندات بقيمة 5 مليارات دولار في مايو، والذي بلغت نسبة تغطيته 4.4 مرة بعد أن اجتذب طلبات شراء بنحو 22 مليار دولار. ولجأت مرة أخرى إلى سوق السندات في سبتمبر حينما أصدرت أول سندات خضراء سيادية بالمنطقة بقيمة 750 مليون دولار.
حصلت مصر على تمويلات بقيمة 9.8 مليار دولار من مجموعة من شركائها الدوليين، من بينهم بنك الاستثمار الأوروبي والبنك الدولي والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية والبنك الأفريقي للتنمية، وفق التقرير السنوي لوزارة التعاون الدولي. ووجه هذا التمويل في المقام الأول لتحقيق أهداف استراتيجية التنمية المستدامة "رؤية مصر 2030"، وحصلت المشروعات الخضراء والرعاية الصحية وتمكين المرأة والمشروعات الصغيرة والمتوسطة على الجانب الأكبر من التمويل. وجرى تخصيص 6.7 مليار دولار من التمويلات لقطاعات التنمية الحكومية و3.1 مليار دولار للقطاع الخاص.
ما أثر كل ما سبق على وضع الدين الخارجي للبلاد؟ ارتفع الدين الخارجي بأكثر من الضعف خلال السنوات الخمس الماضية ليصل إلى نحو 30% من إجمالي الدين العام، وفق ما ذكرته شركة فاروس القابضة في مذكرة بحثية لها في وقت سابق هذا الشهر. ومن المتوقع أن يواصل الدين الخارجي للبلاد الارتفاع ليصل إلى 139.4 مليار دولار في العام المالي الحالي 2021/2020، مقارنة بـ 123.5 مليار دولار في العام المالي الماضي 2020/2019. ومع ذلك، تبقى نسبة الدين الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي مستقرة إلى حد ما، إذ بلغت نحو 35% خلال العامين الماضيين، ومن المرجح أن ترتفع بدرجة طفيفة لتسجل 36% بحلول عام 2023، وفقا لفاروس (بي دي إف).
كانت إصدارات السندات الركيزة الأساسية للشركات للحصول على التمويل في 2020، لا سيما الشركات العاملة في قطاعي العقارات والخدمات المالية غير المصرفية. ووفق تقديراتنا، شهدت السوق المحلية 12 إصدارا من سندات التوريق وإصدار واحد لسندات شركات، بإجمالي يصل إلى 20.1 مليار جنيه، بانخفاض طفيف عن 18 إصدارا في العام الماضي على 54 شريحة جمعت نحو 22 مليار جنيه، وهو اداء قوي يعكس الثقة في قدرة المستهلكين على السداد وكذلك شهية المكتتبين على مصادر وادوات جديدة لتحقيق عوائد.
كان آخر عمليات التوريق هذا العام لصالح "ثروة كابيتال" التي أعلنت بالأمس إغلاق إصدار سندات توريق بقيمة 1.6 مليار جنيه لمحفظة تابعتها كونتكت للتمویل وشركاتھا التابعة، وفق بيان صادر عن ثروة. ويرفع هذا الإصدار إجمالي إصدارات ثروة في سوق المال لھذا العام المليء بالتحديات إلى نحو 6 ملیارات جنیه. وهذا هو الإصدار الرابع والثلاثين لسندات التوريق من ثروة كابيتال.
وعلى العكس من العام الماضي، استحوذت شركات الخدمات المالية غير المصرفية على حصة أكبر من إصدارات سندات التوريق بـ 8 مليارات جنيه، بعد إصدار شركة كوربليس سندات توريق بقيمة 2.2 مليار جنيه في يناير، والذي يعد أكبر إصدار لشركات القطاع، وكذا أكبر إصدار لسندات توريق للقطاع الخاص في السوق. وأغلقت هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة إصدار سندات توريق بقيمة 10 مليارات جنيه في يوليو لتمويل أعمال تطوير المناطق العمرانية الجديدة ومدن الجيل الرابع ومنها العاصمة الإدارية الجديدة ومدينة العلمين الجديدة.
ومن المتوقع أن يجري طرح عدد من الإصدارات الكبيرة في 2021، من بينها طرح قياسي بقيمة 2.5 مليار جنيه من قبل شركة كوربليس للتأجير التمويلي والمرجح أن ينفذ في الربع الأول من 2021. وفي الوقت ذاته، تخطط شركة التوفيق للتأجير التمويلي لإصدار سندات توريق بقيمة مليار جنيه، في حين تتطلع شركة سيتي إيدج للتطوير العقاري إلى إصدار سندات بـ 600 مليون جنيه في الربع الثاني من عام 2021.
وشهد عام 2020 الظهور الأول للصكوك والسندات الخضراء، لكنه كان خافتا: بعد سنوات من التعديلات التشريعية المكثفة، كان من المفترض أن يكون 2020 هو العام الذي تنطلق فيه الصكوك والسندات الخضراء. ورغم ذلك، فإن الجدل بشأن التشريعات وأزمة "كوفيد-19" قد جعلا من ظهورها لأول مرة أضعف مما كان متوقعا، فمن بين أربع شركات كان من المرجح أن تصدر صكوكا هذا العام، أغلقت كل من الشركة العربية للمشروعات والتطوير العمراني، التابعة لمجموعة طلعت مصطفى القابضة، وشركة ثروة كابيتال فقط إصدارين للصكوك، بقيمة إجمالية تبلغ 4.5 مليار جنيه، بانخفاض طفيف مقارنة بإصدارات قيمتها 5 مليارات جنيه كان من المتوقع أن تطرحها الشركات الأربع. ومن المتوقع إغلاق الإصدار الثالث للصكوك لهذا العام خلال هذا الأسبوع والذي تصدره شركة القاهرة للاستثمار والتنمية العقارية (سيرا) بقيمة 600 مليون جنيه لتمويل توسعاتها في قطاع التعليم العالي وما قبل الجامعي، إلى جانب سداد التزامات مالية تشمل مستحقات للبنوك.
أما بالنسبة للسندات الخضراء فإن الصورة تبدو أقل إشراقا، فعلى الرغم من الإصدار الناجح للسندات الخضراء السيادية، فإن البنك التجاري الدولي لم يمض قدما في الإصدار المزمع البالغة قيمته 65 مليون دولار والذي كان من المتوقع أن ينفذ في الربع الثالث من عام 2020 بالتعاون مع مؤسسة التمويل الدولية.
ومن المتوقع أن يعطي إقرار مجلس النواب لمشروع قانون إصدار الصكوك السيادية المتوقع في يناير المقبل دفعة كبيرة لها محليا. وتوقع رئيس الإدارة المركزية للتمويل بهيئة الرقابة المالية سيد عبد الفضيل الشهر الماضي أن تتجاوز إصدارات الصكوك في مصر 10 مليارات جنيه بنهاية 2021.
وربما تستمر إصدارات السندات الخضراء في صالح تنويع الديون السيادية العام المقبل، إذ أوضحت الحكومة أنها تعتزم استخدام السندات الخضراء كمصدر رئيسي لتمويل مشروعات البنية التحتية الرئيسية. ومن غير الواضح حتى الآن ما إذا كان البنك التجاري الدولي سيمضي قدما في إصداره المزمع في 2021، ويبقى الإصدار الوحيد الذي نسمع عنه هو إصدار شركة بريق لتقنيات الصناعات المتطورة التابعة لشركة راية القابضة والذي يتوقع تنفيذه مطلع 2021.
وشهد 2020 أيضا بوادر نشاط السوق الثانوية لديون الشركات وكذلك بموجات جديدة من اقتراض الشركات من القطاع المصرفي لتمويل خطط النمو بعد أن تباطأ الاقتراض من قبل الشركات الكبيرة بسبب أزمة "كوفيد-19".